حيثما نظرت حولك اليوم ستجد هذا المثل.. فقد أمسى قانونا جديدا لجميع الطبقات.. سرا و باطنا,كما هو علانية و جهرا.
و سواء اكنت من المعترفين بهذه الحقيقة على امتعاض, أو كنت ممن غض الطرف عنها ,أو حتى من معتنقيها ستجدك تائه وسط مدها وجزرها..
فحيثما تمضي بك معاملات الحياة خلال روتين حياتك اليومي , وأينما اضطررت للوقوف في طابور الانتظار ستجده يتراقص ويتبختر أمامك باستفزاز وشقاوة..
وكلما قلبت محطات التلفزيون باحثا عن الاحداث .. على قنوات عربية و عالمية. فإنك ستجد الخبر ينقسم ما بين ظهر وبطن.. ضارب ومضروب..
خذ على سبيل المثال.. أنك:
في عيادة في مستشفى حكومي.. تجلس على مقاعد الانتظار.. في صبر وصمت.. مايلبث أن يتحول بك إلى عالم رياضيات .. يبرع في العمليات الحسابية.. من طرح وجمع وقسمة.. وحتى احصائيات وتعداد.. في محاولة لحصرالرؤوس الجالسة معك في قاعة الانتظار.. وصولا لمعرفة متى يحين دورك لتدخل حجرة الكشف..
و بعد فترة من التململ, و مع اقترابك من باب حجرة الدكتور,.. لا تلبث حتى تصطدم بهذا المثل ... لدرجة أن تقسم في نفسك بأنه لوكان ذو شخص ملموس ... لن ترتسم على ملامحه سوى سخرية صارخة.. ولن يملك الا أن يمد لسانه في وجهك بكل استخفاف..
يأتيك هذا المثل حينما يقبل سين من الناس.. فيتوسط ل " أحمد" ويدخل "حميدة" دون حجز مسبق.. لترجع بك حساباتك الى طابور الانتظار, فتعيد ذات العمليات الحسابية من جديد أخذا في حسبانك هذه المرة .. ضيف ثقيل اسمه
" اللي مالوش ظهر"..
بينما يبدأ غيرك من الجالسين .. بلعن الظهر .. ولعن الوساطة .. بل وحتى القاء الخطب الدينية عن فداحة هذا الخطأ المتمثل في استغلال النفوذ حتى في المستشفيات..
أتذكر أني كنت قبل أسابيع اجلس بقاعة الانتظار في مستشفى (..) أعيش ذات الموقف الذي ذكرته سابقا, وفي قمة انهماكي في تعداد الرؤوس الجالسة.. انتشلني صوت شاب يقول_ بالعامية : " حتى الجبانة بدت بالواسطة" .. الجبانة بتشديد الباء تعني: المقبرة .
استرعت الحادثة انتباهي.. فتابعتها بتمعن.. شاب ساقه مكسورة, يقف على باب حجرة الكشف, ساخط بعبارته السابقة,.. مسند ذراعه اليمنى إلى جانب الجدار. بينما تضغط يده اليسرى باحكام على مقبض باب حجرة الكشف .. طبعا في محاولة منه لمنع أي شخص من الدخول قبله, لأنه وفقا لحساباته المطولة مضاف لها المعامل "احمد وحميدة" والمتغير "واسطة".. فقد حان دوره لعبور البوابة السحرية.. نحو حجرة الكشف.. لينهى ألم ساقه المكسورة..
أتى تصرف بطل هذا المشهد.. كرد فعل مباشر, اثر دخول رجل موقر, يرتدي بدلة رسمية, يمشي بخطوات ثابتة واثقة, في عنجهية تتحدث عنه فتصفه بأنه: "راس من رؤوس المستشفى".. يتبعه ( اللي عنده ظهر) فيدخل الاثنان حجرة الكشف.. لتهيج القاعة بالتمتمة الممتزجة, مابين حسبلة وحوقلة.. وتمتد إلى حوارات جانبية عن مبدأ الحق والمساواة ووجوب احترام الآخر..
للأمانة .. في ذلك الموقف ابتسمت..!
فقد تساءلت ...!
بل لربما كنت على يقين بأن جميع من يجلسون في تلك القاعة.. ومن مجملهم " أنا".. كنا في لحظة من اللحظات أبطال نلعب شخصية ( اللي عنده ظهر) لأحدى حلقات مسلسل
" اللي مالوش ظهر ينضرب على بطنو"..!
أضيف هنا.. بأننا حتى في طفولتنا أيقننا هذه الحقيقة بطريقة أو بأخرى ولكل ذكرياته..
وعن نفسي أذكر من طفولتي هذا الموقف الطريف..
حينما التحقت بالمدرسة.. سجلني والدي للدراسة بالصفوف المسائية. كان ذلك الوضع مؤقتا حتى تقوم المديرة بالتأكد من وجود مقعد شاغر لي في فصل " صغار الابلات " في الفترة الصباحية _مع العلم بأن والدتي لم تكن معلمة ,كما لم يكن والدي استاذا بالمدرسة.
ولكن لأن اخوتي يدرسون بالفترة الصباحية.. قرر والداي أن ألتحق بالفترة الصباحية حرصا على سلامتي. خصوصا وأني كنت أخر العنقود حينها.. ولم أكن أعرف من حينا سوى " دكان عمي المولدي" .. حيث ما لذ وطاب من أصناف الحلوى ..
عموما .. !
كان اسبوع دراستي بالفترة المسائية من أول دروس الحياة.. فقبل أن اتعلم ابجدية الكلمات وجدتني أمام
" اللي مالوش ظهر".
ففي أحد الأيام, بعد فترة الاستراحة وبعد انهائي للشطيرة التي اعدتها والدتي ل" فتون الصغيرة".. كنت اصعد السلالم مع احدى رفيقاتي, توقفت في منتصف الدرج حين وجدتني أمام طفل يكبرني بنحو 3 أو أربع سنوات . كان يقف أمامي مباشرة, يوجه اصبعه نحوي فيما يوجه سؤاله الى فتاة صغيرة في مثل عمري قائلا:
"هذي البنت اللي ضرباتك..؟"
نظرت نحوه في استغراب.. وكذلك نحو الفتاة.. فلم أكن أعرفه كما لم أكن أعرفها .. ما أضحكني هنا وأنا أتذكر هذا الموقف .. كم بدى هذا الطفل ضخما حينها.. !
مع أنني على يقين الآن بأنه لم يكن سوى طفل بالصف الخامس أو الرابع.. !
أظن أن ضآلتي كطفلة بالصف الأول, ومخيلتي الواسعة, إلى جانب خوفي منه.. ويقيني بأن ظهري ( أخي الاكبر) غير موجود لنجدتي .. صوره بتلك الضخامة ..!
كما جعلني استعد لاستقبال ضربة البطن بروح رياضية.. والتي كانت عبارة عن جملة مرعبة تقول:
" مازلتي تضربيها نوريك"
فقد كنت في ذلك المشهد
" اللي مالوش ظهر ..!
لكن ولله الحمد ضربة البطن لم تأت موجعة..!
----