الاثنين، 26 يناير 2009

"اللي مالوش ظهر ينضرب على بطنو"



حيثما نظرت حولك اليوم ستجد هذا المثل.. فقد أمسى قانونا جديدا لجميع الطبقات.. سرا و باطنا,كما هو علانية و جهرا.

و سواء اكنت من المعترفين بهذه الحقيقة على امتعاض, أو كنت ممن غض الطرف عنها ,أو حتى من معتنقيها ستجدك تائه وسط مدها وجزرها..

فحيثما تمضي بك معاملات الحياة خلال روتين حياتك اليومي , وأينما اضطررت للوقوف في طابور الانتظار ستجده يتراقص ويتبختر أمامك باستفزاز وشقاوة..

وكلما قلبت محطات التلفزيون باحثا عن الاحداث .. على قنوات عربية و عالمية. فإنك ستجد الخبر ينقسم ما بين ظهر وبطن.. ضارب ومضروب..

خذ على سبيل المثال.. أنك:

في عيادة في مستشفى حكومي.. تجلس على مقاعد الانتظار.. في صبر وصمت.. مايلبث أن يتحول بك إلى عالم رياضيات .. يبرع في العمليات الحسابية.. من طرح وجمع وقسمة.. وحتى احصائيات وتعداد.. في محاولة لحصرالرؤوس الجالسة معك في قاعة الانتظار.. وصولا لمعرفة متى يحين دورك لتدخل حجرة الكشف..

و بعد فترة من التململ, و مع اقترابك من باب حجرة الدكتور,.. لا تلبث حتى تصطدم بهذا المثل ... لدرجة أن تقسم في نفسك بأنه لوكان ذو شخص ملموس ... لن ترتسم على ملامحه سوى سخرية صارخة.. ولن يملك الا أن يمد لسانه في وجهك بكل استخفاف..

يأتيك هذا المثل حينما يقبل سين من الناس.. فيتوسط ل " أحمد" ويدخل "حميدة" دون حجز مسبق.. لترجع بك حساباتك الى طابور الانتظار, فتعيد ذات العمليات الحسابية من جديد أخذا في حسبانك هذه المرة .. ضيف ثقيل اسمه
" اللي مالوش ظهر"..
بينما يبدأ غيرك من الجالسين .. بلعن الظهر .. ولعن الوساطة .. بل وحتى القاء الخطب الدينية عن فداحة هذا الخطأ المتمثل في استغلال النفوذ حتى في المستشفيات..

أتذكر أني كنت قبل أسابيع اجلس بقاعة الانتظار في مستشفى (..) أعيش ذات الموقف الذي ذكرته سابقا, وفي قمة انهماكي في تعداد الرؤوس الجالسة.. انتشلني صوت شاب يقول_ بالعامية : " حتى الجبانة بدت بالواسطة" .. الجبانة بتشديد الباء تعني: المقبرة .

استرعت الحادثة انتباهي.. فتابعتها بتمعن.. شاب ساقه مكسورة, يقف على باب حجرة الكشف, ساخط بعبارته السابقة,.. مسند ذراعه اليمنى إلى جانب الجدار. بينما تضغط يده اليسرى باحكام على مقبض باب حجرة الكشف .. طبعا في محاولة منه لمنع أي شخص من الدخول قبله, لأنه وفقا لحساباته المطولة مضاف لها المعامل "احمد وحميدة" والمتغير "واسطة".. فقد حان دوره لعبور البوابة السحرية.. نحو حجرة الكشف.. لينهى ألم ساقه المكسورة..

أتى تصرف بطل هذا المشهد.. كرد فعل مباشر, اثر دخول رجل موقر, يرتدي بدلة رسمية, يمشي بخطوات ثابتة واثقة, في عنجهية تتحدث عنه فتصفه بأنه: "راس من رؤوس المستشفى".. يتبعه ( اللي عنده ظهر) فيدخل الاثنان حجرة الكشف.. لتهيج القاعة بالتمتمة الممتزجة, مابين حسبلة وحوقلة.. وتمتد إلى حوارات جانبية عن مبدأ الحق والمساواة ووجوب احترام الآخر..

للأمانة .. في ذلك الموقف ابتسمت..!

فقد تساءلت ...!

بل لربما كنت على يقين بأن جميع من يجلسون في تلك القاعة.. ومن مجملهم " أنا".. كنا في لحظة من اللحظات أبطال نلعب شخصية
( اللي عنده ظهر) لأحدى حلقات مسلسل

" اللي مالوش ظهر ينضرب على بطنو"..!

أضيف هنا.. بأننا حتى في طفولتنا أيقننا هذه الحقيقة بطريقة أو بأخرى ولكل ذكرياته..

وعن نفسي أذكر من طفولتي هذا ال
موقف الطريف..

حينما التحقت بالمدرسة.. سجلني والدي للدراسة بالصفوف المسائية. كان ذلك الوضع مؤقتا حتى تقوم المديرة بالتأكد من وجود مقعد شاغر لي في فصل " صغار الابلات " في الفترة الصباحية _مع العلم بأن والدتي لم تكن معلمة ,كما لم يكن والدي استاذا بالمدرسة.

ولكن لأن اخوتي يدرسون بالفترة الصباحية.. قرر والداي أن ألتحق بالفترة الصباحية حرصا على سلامتي. خصوصا وأني كنت أخر العنقود حينها.. ولم أكن أعرف من حينا سوى " دكان عمي المولدي" .. حيث ما لذ وطاب من أصناف الحلوى ..

عموما .. !
كان اسبوع دراستي بالفترة المسائية من أول دروس الحياة.. فقبل أن اتعلم ابجدية الكلمات وجدتني أمام
" اللي مالوش ظهر".

ففي أحد الأيام, بعد فترة الاستراحة وبعد انهائي للشطيرة التي اعدتها والدتي ل" فتون الصغيرة".. كنت اصعد السلالم مع احدى رفيقاتي, توقفت في منتصف الدرج حين وجدتني أمام طفل يكبرني بنحو 3 أو أربع سنوات . كان يقف أمامي مباشرة, يوجه اصبعه نحوي فيما يوجه سؤاله الى فتاة صغيرة في مثل عمري قائلا:
"هذي البنت اللي ضرباتك..؟"

نظرت نحوه في استغراب.. وكذلك نحو الفتاة.. فلم أكن أعرفه كما لم أكن أعرفها ..
ما أضحكني هنا وأنا أتذكر هذا الموقف .. كم بدى هذا الطفل ضخما حينها.. !

مع أنني على يقين الآن بأنه لم يكن سوى طفل بالصف الخامس أو الرابع.. !

أظن أن ضآلتي كطفلة بالصف الأول, ومخيلتي الواسعة, إلى جانب خوفي منه.. ويقيني بأن ظهري ( أخي الاكبر) غير موجود لنجدتي .. صوره بتلك الضخامة ..!
كما جعلني استعد لاستقبال ضربة البطن بروح رياضية.. والتي كانت عبارة عن جملة مرعبة تقول:
" مازلتي تضربيها نوريك"

فقد كنت في ذلك المشهد

" اللي مالوش ظهر ..!

لكن ولله الحمد ضربة البطن لم تأت موجعة..!

----






12 التعليقات:

may يقول...

فاتن

لك اسلوب مميز جدا فى توصيل الفكرة وتعيشت مع كلماتك وكانها مشاهد تعرض على

احببتها

بكل تفاصيلها والوانها

دمتى مبدعة

وخيتك مى

Nasimlibya `√ يقول...

الله ينور عليك يا فتون


هو مرات صح ومرات حظ متعرفيهاش كيف
ومرات تيسير من الله يجيك من غير ظهر حد لا تعرفيه ولا يعرفك يساعدك


ياله ربي يستر ويخلي الناس الطيبة للناس الطيبة

يسلمو فتون ربي ميحرمنا من ادراجتك التحفة هدي

Unknown يقول...

ميوش ..
شرفتيني بمتابعتك لما ادونه..ومن قلبي أقول لك شكرا على كلماتك المشجعة..وتعليقاتك التي زانت مدونتي..

ربي يحفظك

Unknown يقول...

الله يخليك يا سوما..

فعلا زي ما قلتي هي ماشية بالحظ.. وبالبركة ,يقولو تساخير..

مرات مراثون اجباري ان الواحد يلهث فيه لين يحصل حويجته.
ومرات من فم الباب تلقى أمورك متيسرة وحظك قوي..

تسلمي يا سوما على متابعتك..

Unknown يقول...

بجد طريقتك بتخليني أحس اني جوا الكلام
تعرفي العنوان لوحده يشد جدا
مودتي

Unknown يقول...

اهلا بيك يا عزيزي كاتب مصري ..

بجد اسعدتني بمتابعتك ,ويا رب دايما اشوفك تنور المدونة..

دمت بخير..

blue-wave يقول...

صح
واسلوبك رائع كمان

Unknown يقول...

شكرا يا blue wave

نورتني بزيارتك..

romansy يقول...

ولكن لماذا نجعل الاخرون يضروبنا
نحلم ان نعيش بظهرنا قائم على مجهود نبذله فقط منا

Unknown يقول...

روز ماري أولا أهلا بيك,,
وثانيا:
القصة فلسفة مجتمع متأصلة في العمق الفكري والتركيبة الاجتماعية,,
طبعا نحن لا نسلم بصحة هذه الفلسفة.. نتمنى الرقي بمستوى معاملاتنا أكيد..
يبقى الكمال سمة المدينة الفاضلة في مخيلة أفلاطون..
أما الحقيقة فتقول:
أن الأمثال الشعبية أحيانا كثيرة تجسد واقع المجتمعات..
لك احترامي وتحياتي,,

التاجوري يقول...

mail198011018السلام عليكم
صـــح كلامك , بس شن يكون الشعور لما تكون التجربة بالعكس .

جربت مرة بمستشفى شارع الزاوية و كان عندي ظهر , الصراحة حسيت بشعورين
الأول : اني أختصرت مدة شهور في إنتضار دور باش ندير صورة و إنتظار الوقت الكبير لما يجي الدور , و حسيت الحق بفرح و كأني مداير إنجاز .
التاني : لما كملت الي نبيه يمكن مقعدتش عشرة دقايق وجيت طالع لاحضت نضرة من الناس الي حولي " الي هما بطون طبعاً " يظرة مش حلوة , كل واحد تلقى بعينه نوع ,فيه حقد فيه حسد فيه إمتعاض فيه الي بيحاول يعبر مش لاقي كيف


طلعت من الموقف قلت لصاحبي شوف باللهي ناس واقفة من الصبح نجي في خمسة دقايق نكمل و نطلع , ريت الدنيا

بس على كل الأحول و بصراحة مفيش حد ينكر انه يفضل يكون عنده ظهر أحسن من البطن 10001

ولا لا يا تاجورية :)

وهي

آنستوا بعضكم ...

Unknown يقول...

أهلين خوي التاجوري,,
أنت تكلمت علي الوجه الآخر للقصة,, يلي حاولت اني نبين في صورة خاطفة وجوده وتجسده في كل واحد فينا..
كلنا مرينا بوجهي التجربة..وكان عندنا ظهر في أحد المواقف..
قلتلكم مدو وجزر..

تقبل تحياتي..

ايه نسيت نقولك أني تاجورية المولد, وليها مكان في قلبي (مسقط رأسي طبعا)
بس مش من سكانها ولا أنا تاجورية..
عموما تحية لأهل تاجوراء ..